فيروز فوزي / ولى رمضان وهل علينا العيد ……..

فيروز فوزي / ولى رمضان وهل علينا العيد ……..

                   ولى رمضان وهل علينا العيد، لكنه أخلف الوعد، ولم نكن فيه أوفر حظا من المتنبي حين صدح ذات عيد حزين:

                                                              عيد بأية حال عدت يا عيد

                                                        بما مضى ام بأمر فيه تجديد

ولو كان المتنبي بين ظهرانينا لأردف بيته ببيت يقول في صدره ” أزرى بنا في غمار الحجر كوفيد”، وماذا عسى عيد الفطر، في زمن الحجر، يحمل لنا إلا ذكريات مشرقة من تاريخه المجيد، تلك الصباحات المطرزة بالفرح والأهازيج والعناق الحار، بين الأقارب وذويهم وبين الأطفال وهم يركضون فرحين بالعيد، يتباهون فيما بينهم بلباسهم القشيب، المضرج بالمربى وألوان الفرح.

العيد أصبح عندنا طقسا مرتبطا بالتحاليل المخبرية.. يفرح الواحد منا لقريب أوصديق أثبتت الفحوصات المجهرية أن “كوفيد 19” لم يتسلل إلى خلاياه الرئوية، حينها نحتفي به وهو عائد يتأبط نتيجته “السلبية” دليلا على أنه سليم من الجائحة، دليلا عليه كمن يبعث من رماد الجائحة.

وماذا بعد؟ في غضون أيام قليلة سيخرج الناس أفواجا أفواجا، من محاجرهم الظليلة، طلبا للحياة المفتقدة، وفي أغلب الأحوال طلبا للقمة العيش وقد طفح الكيل بالمياومين والباعة المتجولين و العجزة المتسولين وأمست أوضاع محدودي الدخل من المواطنين قاب قوسين أو أدنى من شظف العيش والفاقة التي أشد من الكفر. 

بعد أن استأنسنا بالخوف ونحن تحت الحجر، يلوح اليوم في الآفاق خوف جديد..!! إنه الخوف من العودة  إلى الحياة بنهم متبل ببهار الخوف من الطاعون..!! عودة قد تكلفنا كثيرا ولن تنفع معها لا لجنة يقظة ولا قايدة ولا وصلات تحسيسية متلفزة، إذ أن المغاربة، أسوة برئيس الحكومة، “المخلوع” من زمن ما بعد الحجر ، يمنون نفوسهم بالعودة إلى حياتهم “الطبيعية” وهم يستحضرون مظاهر تلك الحياة الضاجة شوارعها بصخب الحياة، بأسواقها الشعبية و مولاتها الباذخة المكتظة بالفضوليين. يأملون استنشاق هواء مترع بالأدخنة والروائح المنبعثة من عوادم الحافلات والسيارات المهترئة، وهم يسرحون في أرض الله، مدججين بكماماتهم وقارورات التعقيم.

فهل سنربح الرهان والتشالنج، بالعودة إلى “الحياة” بنفس نمط العيش والتدبير المعتاد لشؤننا اليومية، في الشارع العام كما في مقار العمل؟ هل ستفي ملايين الكمامات بالغرض وتجنبنا حدوث كارثة لا قدر الله, ونحن  نستعيد حياتنا الطبيعية بتدابير وسلوكات غير طبيعية؟ حتما، لا..!!

                                                                               العودة إلى حياة “طبيعية” معناه:
أولا: أن نحترم معايير النظافة والأمن في مقار العمل كما في الشارع العام ونحترم الطبيعة والإنسان والقانون الذي نحتكم إليه سواسية كأسنان المشط.
ثانيا: أن ندبر ثروة الوقت بما ينفعنا وينفع الوطن ولا نبدرها في المقاهي والحانات وكل الأماكن المشبوهة التي لا تجلب إلا المهالك، خراب البيوت وخرف العقول.
ثالثا: أن نتسلح بالحكمة القديمة: العقل السليم في الجسم السليم، إذ علينا أن نعيد النظر في نظامنا الغذائي بالتصالح مع الأطعمة الصحية ومع حصص الرياضة المفيدة لعقولنا وأبداننا ونعيد النظر في نظامنا القرائي ونعقد صلحا لا رجعة فيه مع الكتاب ومع المعرفة الحقة.
رابعا: أن تعتني بتعليم وتربية ذريتنا، نساء ورجال الغد، ونغرس فيهم قيم ومعاني الصدق والمحبة والعمل الصالح ونذكرهم بحكمة آبائنا وأجدادنا التى لا تبلى معانيها : من جد وجد ومن زرع حصد.
خامسا : أن نعود إلى الله ونتذكر أننا مجرد عابرين على هذه الأرض الخراب وأننا لا محالة راحلون ولو بعد حين وملاقونا ربنا “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” صدق الله العظيم. علينا نعيد النظر في ذواتنا وأخلاقنا وقيمنا الإنسانية ونستعيد آدميتنا، بمنأى عن الجشع والكذب والخوض في أعراض الناس والسعي بغير صلاح في الأرض.
سادسا: أن تعتبر الحكومة من تجربة” كورونا” وتعي أننا مقبلون على عصر جديد، لذلك عليها أن تعتني بالبحث العلمي لمواجهة الأوبئة والجائحات وترصد له ميزانية محترمة ، وتعتني بالتعليم الذي ينجب الطبيب، ورجل الأمن والقاضي والعامل والمفكر والشاعر والفنان وكل بناة الوطن، ببناء مدارس حديثة  تتوفر على كل الوسائل الديداكتيكية واللوجيستيكية الكفيلة بتسهيل مهمة الأستاذ، أن تستحدث برامج تعليمية بهدف تطوير ذكاءات التلميذ ولا ترهقه بكثرة المواد والمطبوعات التجارية.
سابعا: أن تعتني الحكومة بقطاع الصحة الذي لولا أطقمه الطبية التي واجهت الجائحة بالنيابة عنا لتحول الوطن إلى غرفة إنعاش كبيرة دون أي عناية مركزة. نحتاج أطبائنا كما يحتاج القمح مطر يناير. لا نتمنى أن نرى كل يوم وزرة بيضاء مجنحة، تطير إلى أعشاش بعيدة.
ثامنا: على الحكومة أن تضاعف من عنايتها ومزانيتها المرصودة لأمن الوطن والمواطنين، لا قيمة لشوارع نظيفة وحدائق غناء إذا افتقدت إلى ضوابط أمنية لتصير مرتعا للتحرش والنهب والإرهاب في وضح النهار. تاسعا: على الحكومة أن تحترم وتعمل على احترام كل فصول وبنود الدستور عند تنزيله بما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين، وأن تربط المسؤولية بالمحاسبة حتى تقطع الطريق على لصوص المال العام وعشائر الإنتهازيين، المندسين في المؤسسات التشريعية والإدارات العمومية.
عاشرا: على الحكومة أن تقطع دابر الريع وتثمن العمل المثمر وتراجع بتنسيق مع النقابات المهنية سياسة الأجور وتكافئ كل من يشتغل على أساس عادل وتقلص من الفوارق المهولة في الأجور بإعادة الإعتبار للمشتغلين بالمهن الشاقة وفي ظروف صعبة تترك ندوبا في نفوسهم وأبدانهم.

بكذا تدابير سنعيش حياة جد طبيعية وكريمة ولن نحتاج كمامة أو لقاحا. 

الاخبار العاجلة