رشيد بطيطي كندا
1 تعتبر قضية الصحراء المغربية من أطول الخلافات الترابية التي عرفها التاريخ الحديث، وذلك لتداخل خيوط أطراف الصراع فيها، ونوعية العداء والتصدي لحق المغرب التاريخي في صحرائه. كما لم يتوقف الصراع على الصحراء المغربية على مدى أربعة عقود من الزمن، دون حصول أي تقدم ملموس في اتجاه إيجاد حل نهائي ومتفق عليه. كما انطلق الصراع على الصحراء المغربية منذ الستينات من القرن الماضي، حين طالب المغرب باستعادة صحرائه مباشرة بعد نيل استقلاله، وذلك بعد رفض السلطات الاستعمارية الاسبانية تسليم إقليم الصحراء إلى المغرب بعد تخليها عن إقليم طرفاية في سنة 1591 ، وإقليم سيدي إفني في سنة 1595 ، مع إبقائها على احتلال مدينتي سبتة ومليلية بشمال المغرب. وكان هدفها من ذلك هو التخطيط، لإنشاء حكومة محلية تحت وصاية وسيطرة إسبانية، وللوصول إلى ذلك، أعلنت وبشكل أحادي في غشت من سنة 1591 عن قرارها بتنظيم استفتاء في الصحراء خلال النصف الأول من سنة 1599 . وقد رد المغرب على هذه الخطوة بالرفض القاطع، تلاها إرسال الملك الحسن الثاني، لرسالة إلى الرئيس الإسباني، يؤكد له فيها قلق المغرب وعزمه على معارضة هذه الخطوة الانفرادية، لكونها لا تتطابق مع مضمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه، أرسل الملك الحسن الثاني مبعوثين ملكيين إلى العديد من العواصم الدولية الكبرى لعرض وجهة النظر المغربية من قضية الصحراء، إضافة إلى عرض الملك الحسن الثاني لقضية الصحراء على أنظار محكمة العدل الدولية من أجل تحديد الوضع القانوني للإقليم. وفي 11 شتنبر 1591 تقدم المغرب بطلب استشاري إلى محكمة العدل الدولية بعد مطالبته للجمعية العامة بإيقاف كل عملية تتعلق بإجراء استفتاء في الصحراء قراءة في مستجدات القضية الوطنية 2 الغربية إلى غاية معرفة رأي محكمة العدل الدولية في القضية. وتبعا لهذا الطلب أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 2252 بتاريخ 12 ديسمبر 1591 ، طلبت فيه من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول الصحراء. وفي 19 أكتوبر 1599 ، أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري حول الصحراء، معتبرة بأن الصحراء الغربية كان لها مالك قبل استعمارها من قبل اسبانيا، ووجود روابط قانونية وولاء وبيعة، بين سلاطين المغرب والقبائل التي تقيم بها. وبالتالي لم يتوقف التحرك المغربي عند هذا الحد، بل شمل الجانب العربي والإفريقي، فكان من نتائجه، الطلب الذي وجهته المملكة السعودية إلى إسبانيا بتاريخ 1 أكتوبر 1591 باسم كافة الدول العربية على التعجيل بحل قضية الصحراء المغربية، وكذا تصريح السكرتير العام لمنظمة الوحدة الإفريقية بتاريخ 11 مارس 1599 ، أكد على مساندة المنظمة للمغرب بجميع الوسائل من أجل تحرير أراضيه المغتصبة، وكذا الإجراء الذي أقدمت عليه حكومة ساحل العاج بتاريخ 29 مارس 1599 عندما وضعت السيد ألفونسو بونسي ليمثل المغرب في محكمة العدل الدولية. وبعد اعتراف محكمة العدل بالحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه، أعلن الملك الحسن الثاني، بتاريخ 9 نوفمبر 1599 ، تنظيم مسيرة سلمية خضراء نحو الصحراء المغربية بمشاركة 293 ألف مواطن، وهو حدث فرض على الحكومة الاسبانية، التي واجهت مطالب المغرب بالرفض، مواجهة وضع جديد لم تكن تتوقعه، مما دفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها، والقبول بالتفاوض مع المغرب في قضية صحرائه، في قمة ثلاثية بمدريد جمعت المغرب واسبانيا وموريتانيا، وتوجت بالتوقيع على اتفاقية مدريد بتاريخ 11 نوفمبر 1599 ، يتم بموجبها إدارة ثلاثية للصحراء لفترة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر، يليها انسحاب اسبانيا. وبعد حصول المغرب على استقلاله من فرنسا، ظلت القوات الاسبانية مستقرة في الصحراء لسنوات، وهو ما جعل المغرب يعمل جاهدا من أجل استكمال استقلاله. هكذا خلصت المفاوضات بين المغرب واسبانيا إلى إجلاء القوات الاسبانية من الصحراء المغربية في فبراير من سنة 1599 . وفي هذا الوقت أفضت أطماع الجارة الشرقية في التوسع على حساب الصحراء المغربية والتفكير في احتلال مناطق من الصحراء، بمجرد خروج القوات الاسبانية منها . وبالتالي ما إن اقترب موعد جلاء القوات الاسبانية من الصحراء المغربية حتى قامت مجموعة من ضباط وجنود الجيش الجزائري، عام 1599 بالتسلل إلى قرية 2 أمغالة الواقعة بالقرب من مدينة السمارة، والحدود مع موريطانيا، واصطدمت المجموعة الجزائرية بكتيبة من القوات الملكية المسلحة التي كانت قد التحقت بهذا المركز مباشرة بعد جلاء قوات الاحتلال الاسبانية عنه. وكان النظام الجزائري يرمي إلى احتلال المنطقة قبل وصول الجنود المغاربة. وجرت معركة بين القوتين سرعان ما حسمت لصالح المغرب، قتل فيها وأسرالعديد من الجنود الجزائريين . وبعد الهجوم على أمغالة بنحو أسبوعين بعث الحسن الثاني رسالة إلى الرئيس الجزائري العقيد هواري بومدين قال فيها: “إنه حدث يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ذلك يا سيادة الرئيس أن القوات الملكية المسلحة وجدت نفسها يوم 72 يناير 6721 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في أمغالة التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء “. وبالتالي لما باءت محاولة احتلال أمغالة، لم تيأس الجارة الشرقية من محاولة بسط يدها على الصحراء المغربية، بل إنها حاولت أن تسبق الأحداث مرة أخرى . ولما خرجت قوات الاحتلال الاسباني من الصحراء في الثامن والعشرين من فبراير 1599 ، وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت الجزائر في 29 فبراير عن قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ”. وفي هذا كان الرد الرسمي للمغرب، ما ورد على لسان الملك الراحل الحسن الثاني في رسالة وجهها إلى القوات الملكية المسلحة: “ومن دون أن نخفي عنكم خطورة الوضع، ومن دون أن نتجاوز الحدود في تهويل الأمر أمامكم بخصوص تطور الوضع، فقد عزمنا العقد على الدفاع بكل وسيلة ممكنة عن وحدة المملكة وضمان الأمن والهناء لشعبنا . وفي ظل هذه الصعوبات التي حامت على خطة التسوية الأممية، وحول عملية تحديد الهوية، والأشخاص الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، استصدر قرار أممي تحت رقم 1235 الصادر في 29 يوليوز 2333 ينص على أهمية اللجوء إلى الحل السياسي بوصفه أحد الخيارات التي قد تلقى موافقة الأطراف المعنية، وتتجاوز المشاكل التي لاقتها عملية الاستفتاء وخاصة في مسالة تحديد الهوية، إلا أنه بعد ذلك تأكد لمنظمة الأمم المتحدة فشل واستحالة مشروع إجراء الاستفتاء، الذي يقوم على تحديد الهوية . وبعد وصول الوضع إلى الطريق المسدود، تقدم المغرب بمشروع الحكم الذاتي التي أعتبر ثمرة مسلسل تشاوري موسع على المستوى الوطني والمحلي شاركت فيه القوى السياسية المغربية والمنتخبين والمواطنين بالأقاليم الصحراوية المغربية، 1 من خلال المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، بهدف الوقوف على مختلف وجهات النظر المتعلقة بصياغة مشروع للحكم الذاتي في الصحراء. واستكمل هذا المسلسل بإجراء مشاورات على المستويين الإقليمي والدولي حول المبادرة المغربية من أجل الاطلاع على وجهات نظر البلدان المعنية والمهتمة بالنزاع في الصحراء المغربية، والتي لاقت قبولا واستحسانا من قِبل العديد من الدول الكبرى، باعتبارها الحل الأمثل والواقعي لقضية الصحراء المغربية . كما يرتكز مشروع الترافع المدني حول القضية الوطنية على توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي ما فتئ يؤكد من خلالها على دور هيئات المجتمع المدني في الدفاع عن القضية الوطنية، إذ يعتبر الترافع المدني عن مغربية الصحراء مشروعا يعتمد على برنامج عمل يضم مجموعة من المحاور، تهدف إلى تعزيز قدرات جمعيات المجتمع المدني والفاعلين الجمعويين في مجال الترافع عن القضية الوطنية . كما أعلنت الولايات المتحدة، اعتمادها خريطة جديدة للمغرب تضم الصحراء الغربية، بعد اعترافها بسيادة المملكة المغربية على الإقليم . وقال السفير الأمريكي لدى المغرب ديفيد فيشر، على هامش مراسم توقيعه على الخريطة الجديدة في مقر السفارة بالعاصمة الرباط، إنه تم اعتماد الخريطة الجديدة للمغرب بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الخميس، الاعتراف بسيادة المملكة على إقليم الصحراء . وبالرغم من الظرفية الاستثنائية التي عاشتها بلادنا شأنها شأن سائر أقطار العالم بسبب جائحة فيروس كورونا وما رافقها من تبعات، فإن الدبلوماسية المغربية استطاعت، بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن تمضي قدما في تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها وأن تقويها بتراكمات ميدانية جديدة تكرس شرعية موقف المغرب بالنسبة لقضيته الوطنية الأولى . ففي إطار تنزيل الرؤية السامية لصاحب الجلالة، نصره الله، التي تنبني على الوضوح والطموح، واصلت الدبلوماسية المغربية التجند للدفاع عن قضية الصحراء المغربية داخل المحافل الدولية وحشد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل في المنطقة المغاربية . وفي هذا الصدد، انبرت الدبلوماسية المغربية إلى تركيز مجهوداتها حول ترسيخ مغربية الصحراء على مستوى الأمم المتحدة وعلى أرض الواقع. فعلى 9 مستوى الأمم المتحدة، عزز القرار 24911 لمجلس الأمن المقاربة المغربية، بحيث شدد على أن الحل السياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون إلا واقعيا، برغماتيا، مستداما، ومبنيا على التوافق. كما أن القرار جدد التأكيد على مسلسل الموائد المستديرة كإطار وحيد للمناقشات للتوصل إلى الحل السياسي . أما فيما يخص تكريس مغربية الصحراء على أرض الواقع، فقد تواصل تنزيل سياسة جعل مدينتي الداخلة والعيون قطبين دبلوماسيين، بما يرسخ سيادة ووحدة الأراضي المغربية ويسفه أطروحات الخصوم، حيث تمكنت بلادنا إلى حدود اليوم من إقناع 22 بلدا بفتح قنصليات عامة بالمدينتين. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه علاوة على رمزيته السياسية، فإن افتتاح قنصليات افريقية بالأقاليم الجنوبية يواكب تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية والجهوية المتقدمة، حيث أن هذه التمثيليات تقوم بدور اقتصادي وتجاري لتعزيز العلاقات التجارية بين المملكة وعمقها الإفريقي عبر بوابة الداخلة باعتبارها قطبا تجاريا واقتصاديا في جنوب المغرب، وذلك تكريسا لانفتاح المملكة على القارة وفقا للسياسة الإفريقية التي ينهجها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله . ومن جهة أخرى، تواصلت دينامية تنظيم المؤتمرات الدبلوماسية في هذه الأقاليم، حيث احتضنت مدينة العيون بحر فبراير 2323 المنتدى الوزاري الثالث “المغرب – دول جزر المحيط الهادي”، والذي تبنى إعلانا سياسيا داعما لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي . وفي نفس السياق المرتبط بتوسيع دوائر الدعم الدولي للموقف المغربي، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان اعترافها بسيادة المغرب التامة على كامل تراب أقاليمه الصحراوية، في خطوة تاريخية لهذه القوة العظمى، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن وفاعلا مؤثرا في القرار الدولي. وقد استتبع هذه الخطوة تنظيم المؤتمر الوزاري الدولي حول دعم الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، برئاسة مشتركة مغربية-أمريكية، بمشاركة أربعين دولة على المستوى الوزاري . وبالتالي من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى الدعم الكامل والتضامن اللامشروط الذي عبر عنه المجتمع الدولي إزاء القرار الملكي السامي بالتدخل المشروع والسلمي الذي قامت به المملكة، ضمن سيادتها الكاملة ووفقا للشرعية الدولية، لوضع حد لعرقلة ميلشيات البوليساريو لحركة مرور البضائع والأشخاص على مستوى المركز الحدودي الكركرات، واستعادة الأمن والحفاظ عليه وتأمين استئناف 9 الربط التجاري الدولي على مستوى هذا المعبر الحدودي الذي يشكل حلقة وصل بين المغرب وعمقه الافريقي من جهة، وبين القارتين الاوربية والافريقية من جهة أخرى . وبالموازاة مع هذا الزخم الاستثنائي، استمر مسلسل سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، حيث بلغ عدد الدول التي لا تعترف بهذا الأخير 191 دولة، علما بأن الاستراتيجية التي اتبعتها بلادنا تجاه بعض الدول التي كانت تناصر وتدعم الجمهورية الوهمية قد اثمرت عن مراجعة 11 دولة بمنطقة الكاريبي من أصل 11 لموقفها من قضية الصحراء المغربية . الإصلاحات والأوراش الكبرى المبرمجة أو في طور الإنجاز. كما تواصل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج انخراطها بكل اجتهاد للارتقاء إلى مستوى التطلعات الملكية، والنهوض بالمسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتقها في الدفاع عن المصالح الحيوية لبلادنا، وعلى رأسها قضية وحدتنا الترابية. ولهذا المبتغى، سطرت الوزارة جملة من الأهداف المرجعية برسم سنة 2321 ، يمكن بسطها كما يلي : تكريس شرعية تمثيلية منتخبي الصحراء المغربية داخل الأمم المتحدة ؛ لجعلها ممارسة اعتيادية داخل لجنة ال 72 توسيع دوائر الدعم لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية؛ الاستمرار في المطالبة بتسجيل وإحصاء ساكنة تندوف؛ مواكبة تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية والجهوية المتقدمة؛ العمل على تحقيق المزيد من سحب الاعترافات بالجمهورية الوهمية؛ تعزيز الحضور المغربي داخل المنظمات الدولية، علما بأن المغرب تمكن للسنة الرابعة على التوالي من تحقيق 611 % كمعدل نجاح للترشيحات المغربية في المنظمات الدولية .