كل ما يجب أن يعرفه المرشح لمهنة المحاماة قبل أداء القسم
الصوت المغربي
حينما يستكمل المترشح لمهنة المحاماة – سواء كان مترشحا للتمرين أو مترشحا للتسجيل في الجدول1 – جميع الاجراءات التي تنص عليها القوانين2 والأعراف والتقاليد3 فإن النقيب يبعث بنسخة من مقرر المجلس بالقبول إلى الوكيل العام الذي يقوم يفتح ملف للمعني بالأمر وتبرمج جلسة خاصة بمحكمة الاستئناف4 لأداء القسم أو اليمين ويقوم النقيب بتقديم المترشح وهو مرتديا لأول مرة البذلة المهنية الى هيئة المحكمة.
وفي هذا الاتجاه تنص المادة 12 من القانون المنظم لمهنة المحاماة :”لا يقيد المترشح المقبول في لائحة التمرين ولا يشرع في ممارسته الا بعد أن يؤدي القسم”.
والقسم أو اليمين في اللغة هي القوة5 والقدرة وأصلها اليد اليمنى التي هي أقوى من اليد اليسرى حيث أطلقت على الحلف للتوكيد وتقوية أمر معين. واليمين في القاموس (? مؤنث – ) هو القسم لأن الناس كانوا في عصر الجاهلية يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون أو اذا تحالفوا أخد كل واحد باليد اليمنى لصاحبه. و اليمين في الشرع عقد يقوي به الحالف ما عزم عليه من فعل شيء أو تركه6.
وتأتي اليمين بحروف ثلاثة هي الواو والباء والتاء7 ويكون المقسم به هو الله عز وجل أو أسمائه الحسنى أو صفاته8 أو المخلوقات 9 ويكون الحالف هو المخلوق. وإدخال الخالق أو بعض المخلوقات في الحلف هو في الواقع تعبير على اشراك الله عز وجل أو أقرب المخلوقات ( الاباء أو الابناء ) كشهداء على قول الحالف. أما المقسم عليه فهو اما واقعة أو حقيقة أو وعد بفعل شيء أو بتركه.
وقد نهى القرآن عن الاكثار من اليمين بقوله تعالى “لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم” 10 كما نهى عن اليمين الكاذبة او اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم. قال سبحانه وتعالى “ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم”.11 وقال النبي صلى الله عليه وسلم “الكبائر: الاشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس”.12
واليمين اما قضائية أو غير قضائية. واليمين القضائية هي طريقة من طرق الاثبات في القضاء تؤدى في بعض الحلات شريطة وجود دعوى جارية وهي اما حاسمة13 يوجهها أحد الاطراف لخصمه وإما متممة يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لعدم كفاية ما قدمه الخصم من حجج والكل بهدف اتمام الحجج باليمين. أما الثانية وهي اليمين الغير قضائية أو القانونية فهي لتأكيد القيام بما يعد به الحالف من عمل أو بسلوك معين أو بالامتناع عن القيام به وهي ما تعرف باليمين المنعقدة وتسمى ايضا اليمين المعقودة والمؤكدة. يقول الله سبحانه وتعالى ” لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم به الايمان”14. كما يقول عز من قائل “ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها”.15 ولا يمكن تصور النقض إلا في المستقبل.
وبالرجوع الى القانون المنظم لمهنة المحاماة ولا سيما المادة 12 منه نجد بان قسم او يمين المحامي هي يمين منعقدة اذ تنص المادة المذكورة على صيغة القسم كالتالي :
“أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية، وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي انتمي اليها وأن احافظ على السر المهني وأن لا أبوح أو انشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة، وأمن الدولة والسلم العمومي”
وبتحليل هذا القسم بصفة أولية وسطحية نجد بان الحالف هو المحامي والمقسم به هو الله عز وجل والمقسم عليه هو القيام بممارسة مهنة المحاماة بكيفية معينة وعدم القيام بأفعال يعتبرها المشرع منافية للمهنة.
و”يؤدى هذا القسم أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الاول ويحضرها الوكيل العام وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين”.
ويؤدي نفس القسم وبنفس الكيفية المترشح المعفى من شهادة الاهلية ومن التمرين اذ تنص المادة 21 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة على ما يلي “يؤدي القسم من طرف المترشح المعفى من شهادة الاهلية ومن التمرين، والذي تقرر تسجيله في الجدول وذلك حسب الكيفية المقررة في المادة الثانية عشر أعلاه”.
وبالرجوع الى ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية16 فان الفصل 38 ينص على ما يلي “يقوم المحامون بأداء اليمين فور قبولهم لاجتياز التمرين أو اثر تقييدهم في الجدول اذا كانوا غير خاضعين للتمرين.” واستنادا الى الفصل الرابع من ظهير 18 نونبر 191617 والذي أعطى لمحكمة الاستئناف صلاحية تحديد نظام لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخده بجمعيتها العمومية وبعد الاستماع الى الوكيل العام، حددت محكمة الاستئناف بالرباط نظاما لهيئة المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالدلرالبيضاء بتاريخ 9 يناير 1917 18 نصت بفصله الرابع على ما يلي : “يقع ترتيب المحامين بالجدول أو بلائحة التمرين ابتداء من يوم قبولهم أو من اليوم الذي أدوا فيه اليمين عند الاقتضاء”.
ونلاحظ بان التقييد في الجدول كان يتم قبل أداء اليمين عكس ما يقع اليوم اذ يسجل المحامون المعفون من الاهلية ومن التمرين في الجدول اعتبارا من تاريخ أداء القسم حسب الفصل 22 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
ونص ظهير 12 غشت 1913 على صيغة اليمين الواجب أداؤها بالفصل 381 وهي كالتالي: ” أقسم بالله العظيم على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية”.
وباعتبار أن ظهير 12 غشت 1913 المشار اليه أعلاه لا يسمح بمزاولة مهنة المحاماة لدى “المحاكم الفرنسية” (بآليتنا الشريفة حسب الفصل 32 ) الا للفرنسيين المقيدين بجدول المحامين لدى احدى المحاكم الفرنسية أو للأجانب المجازين في الحقوق الذي يكونوا قد مارسوا فعليا مهنة المحاماة طيلة ثلاث سنوات على الاقل أو للفرنسيين والأجانب الحاملين للإجازة الفرنسية في الحقوق والذين يكونوا قد قضوا ثلاث سنوات من التمرين وهم يمارسون مهامهم لدى المحاكم الفرنسية بالمغرب فان صيغة القسم لم تكن لتختلف على القسم المؤدى في فرنسا.
وقد كانت صيغة القسم في فرنسا هي الاخرى على الشكل التالي : ” أقسم بالانجيل على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية”.19
ويكمن الاختلاف في اليمين “المغربية” مع اليمين “الفرنسية” آنذاك في المقسم به اذ يتم الحلف في فرنسا على الانجيل بينما يتم بالمغرب بالله سبحانه وتعالى.
وقد كان الطابع الديني يغلب على اليمين في عهد الرومان اذ كان المحامي يقسم على الانجيل بأنه لن يتفانى في الدفاع عن موكله وأن لا يكلف بقضية سيئة.20
أما في فرنسا فان قسم المحامي مر من عدة مراحل منها ما هو ديني في البداية بالطبع ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو مهني محض.
ويمكن القول بان التعديلات المتعددة التي عرفها القسم في فرنسا تبرز في الواقع مدى تعقيد العلاقات بين المحامين والسلطة السياسية.
وباعتبار أن مهنة المحاماة في فرنسا ترجع الى القرن الثالث عشر فإننا نجد أن نظام فيليب الثالث (Philippe le Hardi ) المؤرخ في 23 أكتوبر 1274 ينص على أن المحامين يقسمون على الإنجيل21 وباللاتينية على أن لا يتكلفوا إلا بالقضايا العادلة وأن يدافعوا عنها بعناية وبإخلاص وأنهم سيتخلون عنها اذا ما تبين لهم بأنها غير عادلة وإذا رفض المحامون أداء هذا القسم فانهم سيمنعون من مزاولة المهنة الى أن يؤدوا هذه اليمين. كما كان هذا القسم يتضمن جانبا بخصوص اتعاب المحامي الذي حددها النظام في مبلغ اقضاه 30 جنيه حيث كان المحامي يقسم أن لا يأخذ مبلغا اكثر من الحد الاقصى. وإذا ما حنث الحالف بيمينه يشطب عليه من مهنة المحاماة إلا اذا ارتئى القضاة تأديبه بغير ذلك حسب خطورة الافعال .22
وحينما كان القاضي يسأل المحامي بعد أداء اليمين كان هذا الاخير يعد بان يكون حاضرا في الصباح الباكر وان لا يزعج الجلسات وان لا تكون مرافعاته طويلة.23
وكان نظام فيليب الثالث عشر يقرئ مرة في السنة بغرفة الجنايات.
وفي سنة 1344 ادخل البرلمان تعديلات على قسم المحامي حيث أصبح يتضمن اضافة الى المبادئ العامة المشار اليها سابقا التزام المحامي بعدم استعمال وسائل التسويف أو التصريحات الغير المضبوطة أو التي لا علاقة لها بالموضوع. كما يقسم على أخد اقل من 30 جنيه في حالة ما اذا كانت القضايا بسيطة.24
وكان القسم في بعض المدن كميدز (Medz) مثلا أكثر شرحا وأكثر استفاضة وأكثر قيودا بالنسبة للمحامي.25
وبعد ذلك أصبحت صيغت القسم ولمدة قصيرة بسيطة للغاية وأصبح المحامي يقسم أمام القضاة على احترام أوامر وقرارات وأنظمة المحكمة. ولم يكن الجميع يحترم اعادة أداء القسم سنويا26. وكان النقيب في ما بعد والقدامى المتواجدين معه هم الذين يعيدون أداء اليمين أصالة عن نفسهم ونيابة عن باقي المحامين27.
وبقي الطابع الديني يغلب على اليمين خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والى غاية الثورة الفرنسية حيث ألغى نابليون بونابارت مهنة المحاماة وحل النقابات بمرسومين مؤرخين في 2 و 11 شتنبر 1780.
وبتاريخ 14 دجنبر 1804 أصدر نابليون بونابارط مرسوما يتضمن نظاما لممارسة مهنة المحاماة. وكان هذا النظام أقسى وأسوء نظام عرفته مهنة المحاماة في فرنسا لانه افقد المهنة كل استقلاليتها. 28 وأصبح لليمين طابعا سياسيا بامتياز أذ نص المرسوم على صيغة القسم كالتالي : “أقسم بطاعة دساتر الامبراطورية وبإخلاص الامبراطور وأن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وألا ارشد أو ادافع عن اية قضية أعرف من خلال ضميري ووجداني انها غير عادلة”. 29 والملاحظ من خلال هذا القسم هو تغييب الطابع الديني على القسم وذلك بإبعاد القسم على الانجيل وإدخال الطابع السياسي بالقسم على الاخلاص للإمبراطور.
وفي سنة 1830 ( قرار 22 أكتوبر ) اقتصر لوي فيليب30 على التعديل الشكلي اذ اصبح المحامي يقسم على الوفاء لملك فرنسا ( أو ملك الفرنسيين ) والخضوع للدستور والقوانين الفرنسية.
وفي سنة 1954 اصدرت فرنسا مرسوما يلغي القسم في جانبه المتعلق بالإخلاص لرئيس الدولة ويحتفظ بالباقي . وبتاريخ 9 يونيو 1972 أضيفت بعض العبارات للقسم الذي اصبح كالتالي : “أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي أنتمي اليه وأن لا افوه أو أنشر ما يخالف القوانين والانظمة والاخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي”وفي 15 يونيو 1982 صدر القانون المعروف بقانون بادنتر 31 الذي عدل قسم المحامي وجعله يقتصر على الصيغة التالية : “أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وبقي القسم على صيغته الى ان جاء قانون 31 دجنبر 1990 الذي عدل قانون 15 يونيو 1982 حيث أضيفت كلمة الاستقامة (Probité) الى القسم: “أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال واستقامة وإنسانية”.